الأذن الموسيقية

تراودني منذ فترة تساؤلات عن علاقة استجابة الناس للموسيقى والطرب مع تكوين شخصيتهم، فمثلاً أنا أجزم أن المتزمتين الذين يحرمون الموسيقى لم يسبق لهم الاستمتاع بها أصلاً لأنهم لا يملكون الأذن الموسيقية التي تقدّر وتطرب للألحان والكلمات مهما اختلفت من حيث المستوى أو النمط أو حتى اللغة... وإلا كيف يستطيع هؤلاء تحريم الموسيقى وكبت مواهب لا يمكن أن توصف سوى أنها نعمة من الله؟

هل الأذن الموسيقية حس موروث أم مكتسب؟ لقد نشأ محسوبكم في منزل يقدس الموسيقى بشتى أنواعها، وكما ترون كل أسبوع فأنا أستمتع بالأغاني الغربية تماماً مثل استمتاعي بالأغاني العربية، مع اعترافي باختلال ميزان الإستماع اليومي نحو الغربية بشكل أكبر...كان والدي رحمه الله ووالدتي يصطحبوننا ونحن أطفال إلى الحفلات الموسيقية (أحياناً بشكل إجباري) لكي نوسع آفاقنا ومداركنا، فمن حفلات فيروز التي لازلت أعشقها إلى السيمفونيات والباليه التي كنت أنام وأشخر خلالها لأنني لم أفهمها آنذاك، هذا غير الموسيقى التي لم تتوقف في المنزل أو السيارة حسب مزاج الوالدين، فيوم نسمع فيروز وعبدالحليم ووردة ويوم نسمع البيتلز وديانا روس ويوم نسمع محمد عبدو وعايشة المرطة، وما زلت أحبهم كلهم

ومن الأشياء التي لا زلت أندمها، وما أكثرها، عدم الإستمرار في دروس البيانو أثناء طفولتي، فقد كنت في سن لا يعرف التركيز إضافة إلى حالة الرعب التي كنت أعيشها مع مدرس البيانو المخيف... كنت أريد وقتها أن أتعلم عزف البيانو على طريقة التون جون ولم أكن أهتم لمقطوعات شوبرت و بيتهوفن، فاستسلم المدرس في النهاية وأبلغ والدتي بأن ولدكم ما منه فايدة

لدي بعض المعارف والأقارب الذين لا تشكل الموسيقى أي أهمية في حياتهم وأجدهم بالطبع مملين بعض الشيء ومحدودين في آفاقهم، وآخرين سرعان ما تأثروا بما يدور حولهم من تحريم وتكفير في مدارس الكويت وأصبحوا متزمتين بشكل لا يطاق لأن حياتهم كانت في الأصل خالية من أي تقدير للفن والجمال فكانوا فريسة سهلة لقوى الظلام

و طبعاً هناك من نبذ الموسيقى بالكامل واستحرمها بعد أن كان يستمتع بها... عندما يقرر أي شخص أن يغير حياته ويتدين سواء عن قناعة أو خوف، لا بد أن يتنازل عن السلوكيات التي لا خلاف حول موقف الشرع منها مثل القمار وشرب الخمر، ولكن لماذا تعامل الموسيقى كأنها مفسدة للأخلاق ومن كبار المحرمات؟ ألا يكفي الإبتعاد عن الموسيقى الخلاعية المبتذلة والإكتفاء بالطرب الأصيل؟ وما هو موقف الشرع منها، ولا أقصد هنا فتاوي آخر زمن التي ابتلينا بها

وبما أن الشيء بالشيء يذكر.. كيف يسهل على هؤلاء تحريم جميع الفنون الراقية، إلا إذا كانوا في الأصل لم يطربوا في حياتهم لأغنية ولم يزر أي منهم متحف فني و لم يقرأ أي منهم رواية أو شعر؟

ختاماً.... من محاسن الصدف (والله صدفة) أن يظهر هذا المقال في عدد اليوم من القبس وكأنه يقرأ أفكاري